أحمد بن فضلان .. ورحلة إلى بلاد الفايكنج - غرائب

اخر الأخبار

اعلان

الجمعة، 5 مايو 2017

أحمد بن فضلان .. ورحلة إلى بلاد الفايكنج


- ربما أسقط التاريخ الفكري والثقافي القرن العاشر من تاريخ العالم الثقافي والعلمي .. حيث كان هذا العصر فترة مظلمة تعج بالخرافات والأساطير ويحكمها الجهل .. كان الأمر هكذا في أوروبا , ولكن لم يكن بهذا الشكل أبداً في العالم الإسلامي الذي كان على النقيض تماماً .

- فقد حكم العباسيون العالم الإسلامي قرنين من الزمان , إمتدت فيها ربوع العالم الإسلامي إلى أسبانيا في الغرب , وحتى بلاد الهند في الشرق , وكانت تتوسع رقعة الدولة الإسلامية إلى أجزاء في روسيا الحديثة أيضاً , فكان العالم الإسلامي مزدهراً , وكانت بغداد مركزاً فكريا وثقافياً عالمياً لأكثر من قرن من الزمان , مع وجود المكتبات والمدارس الإسلامية المنتشرة في ربوعها  , فكان بإمكان المسافرين من كل مكان في العالم التعرف على أرض يحكمها المسلمون , من خلال حركة الشعوب والتجار والحرفيين , حتى أن الكثير من الادوات الكتب والمنسوجات عند الغرب  إرتبطت بثقافة المسلمين  فكانت تعرف بـ ( الإسلامية ). 

- وفي ظل هذا المناخ الثقافي والعلمي الرائع , تم إرسال ( أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد ) من قبل الخليفة العباسي المقتدر (932) هجرية ,  إلى مملكة الفولغا بولغارس وهي روسيا حالياً .
فقط كان هناك بعد المتحولين إلى الإسلام من الروس في ذلك الوقت , فقرر الخليفة العباسي , إرسال عالم ديني من أجل توجيه المتحولين الجدد لتعاليم الإسلام الصحيح  , فقد كان السبب الرئيسي لرحلته إلى المنطقة لإرشاد ملك البلغار في مسائل الدين الإسلامي. 



- لا يعرف الكثير عن ( ابن فضلان ) قبل تلك الرحلة , فقد كان كاتب عربي مسلم ومسافر في القرن العاشر الميلادي  وقد فُقد الكثير من سجله ,  وما كان معروف عنه هو انه عاش ما بين 921 - حتى 309 هجرياً , وكان متحالفاً مع القائد العباسي  محمد بن سلمان الذي قاد عدة حملات عسكرية من مصر إلى الصين., ولكن رحلته إلى بلاد الروس أو الفايكنج كانت كافية لجعله من أشهر الرحالة المسلمين , فضلاً عن وثيقته التاريخية التي لا تقدر بثمن والتي تعتبر من أقدم المصادر في روسيا القديمة , وأول مخطوطة عربية تصف غير المسلمين , وتجميع التاريخ المبكر لروسيا وشعبها , فقد قام ( ابن فضلان ) بمراقبة سلوكياتهم , وعاداتهم , حتى وصف أشكالهم .



كيف وصف ابن فضلان شعب الروس أو الفايكنج ؟

- غادر ( ابن فضلان ) بغداد في يوم 21 يونيو 921 (11 صفر 309 ه). وصلت إلى البلغار بعد مشقة كبيرة في 12 مايو 922 هجرية .
وبعد وصوله إلى بولغاز قام ( ابن فضلان ) برحلة إلى ويسو (بيرم كراي الحديث من روسيا) وسجل ملاحظاته على التجارة بين بولغا البلغار والقبائل الفنلندية المحلية.
حيث وصف ( ابن فضلان ) أجسام الفايكنج وصفاً تفصيليا , بإن لهم أجساد طويلة مثالية وصفها كأشجار النخيل , وعظام خدود عالية بارزة في الوجه , ويمتلكون شعراً أشقراً , وجلدً وردياً , ويضعون الكثير من الوشوم من الأظافر حتى الرقبة من ألوان كالأزرق الداكن أو الأخضر الداكن , وجميعهم مسلحين بفأس وسكين طويل طوال الوقت .

- اما نساء الفايكنج فقد وصفهم ( ابن فضلان ) أنهن يرتدين مربعات من الحديد أو الذهب أو الفضة فوق صدورهن , وتشير قيمة المربع إلى ثروة الزوج , كما يرتدين خواتم للعنق من الذهب والفضة , ومعظم الحلى الثمينة من الخرز والزجاج الأخضر , حيث كانوا يتاجرون بالخرز فيما بينهم ويدفعون ثمناً باهظاً فيه .


يحرقون جثث موتاهم !

- وصف (ابن فضلان) بالتفصيل الممارسات الجنائزية لدى شعب الروس , فبعد أن سمع أن الأشخاص ذوي الشأن في البلاد يحرقون بعد موتهم , أراد التأكد من ذلك بعد ما سمع عن موت أحد هؤلاء .
فقد وصف ( ابن فضلان ) طقوس الجنازة عند شعب الروس , بإنه يستمر لعدة أيام , ويتكون من طقوس مختلفة , حيث يتم إعداد الرجل المهم الميت من أجل إحراقه , جنباً إلى جنب مع بعض العبيد والفتيات اللاتي تطوعن للموت مع سيدهن , وذلك بعد أن يجامع تلك الفتيات عدة رجال , ثم يتم وضع حبل حول رقبة الفتاة من قبل إمرأة تسمى ( ملاك الموت ) . ثم تقوم بطعنها بخنجر, بينما يقوم رجلان آخران بخنقها بالحبل حتى الموت , ليُحرق جسدها بعد ذلك مع سيدها على القارب .


الفايكنج كانوا قليلي النظافة  !

- وما لا يثير الدهشة , هو إختيار ( إبن فضلان ) وصف العادات والسلوكيات الغريبة التي تختلف عن الممارسات و القيم الإسلامية
ومن ذلك ( النظافة والعادات الصحية للروس ) ,فعلى النقيض من جمالهم الجسدي , وصفهم ( ابن فضلان ) بإنهم شديدي النقص في النظافة , حتى إنهم لا يغتسلون بعد الجماع , ولا ينظفون أنفسهم بعد التبول أو قضاء الحاجه عموما , ولا يغسلون أيديهم بعد تناول الطعام , إذ إنهم ربما يستعملون وعاء واحد من الماء في اليوم يكاد لا يخلو من كل تلك القذارة , حيث تمليء الخادمة كل يوم حوض الإستحمام لسيدها الذي يغتسل فيه ومن ثم يبصق فيه أيضاً أو ينظف أنفه  , ثم بعد أن ينتهي تقوم الخادمة بتمرير نفس الحوض بنفس الماء لباقي أفراد العائلة بنفس القذارة دون تغيير الماء وهم بالفعل يكررون ما سبق  ! ,  فربما يعتبر هذا الوصف مشينا ومقززاً بالنسبة لمسلم مثل ( ابن فضلان ) حثه دينه على عدم إستخدام مياه راكده او غير نظيفة لمجرد الوضوء .


المريض كالجرثومة 

- عند مرض أحد الروس في المنطقة كان يتم وضعه في خيمه بعيداً مع بعض الخبز والماء , ولا يأتي الناس للتحدث معه أو رؤيته , وخاصة إذا كان رجلاً فقيراً أو عبداً , فإذا شفى من مرضه عادوا إليه , وإذا مات , قاموا بإحراق جثته ,  وإذا كان عبداً , فتترك جثته لتأكلها الكلاب والطيور الجارحة .

- كما أخبر( ابن فضلان ) في وصفه للروس , أنهم إذا أمسكوا بلص ما , فإنهم يعلقونه على شجرة طويلة ويتركونه معلقاً حتى يسقط جسده في قطع .


كيف يعيش ملك الروس ؟


- وصف ( ابن فضلان ) طبيعة ملك الفايكنج بإن له 400 رجل في قصره , يجلسون حول عرشه المرصع بالأحجار الكريمة , وهم من أشجع الرجال , الذين يموتون مع الملك ويقتلون من أجله , ولكل منهم جارية من الرقيق تخدمهم وتعمل على راحتهم .


صورة توضح تجارة الرقيق عند الروس

يجب أن تعلم أن ..

- لم تكن بعثة ( ابن فضلان ) مجرد مهمة دينية  , ولكن كانت لديها العديد من الجوانب الأخرى التي أسندها الخليفة , فقد كان هناك جانب عسكري وسياسي في البعثة , حيث هدفت أيضاً إلى جمع الأموال لبناء قلعة لحماية فولغا بلغار التي دخل ملكها حديثاً في الإسلام ضد غارات خازار اليهودية.

- وجدير بالذكر أن ( أحمد بن فضلان ) لم يكن جغرافياً , وهو ما يفسر عدم وجود أوصاف جغرافية في حساباته , وعدم وجود خطوط طول أو خطوط عرض , ومع ذلك فقد لاحظ ( ابن فضلان ) طول الليل خلال الشتاء , وطول النهار في فصل الصيف , مما جعل من عملية حساب أوقات الصلاة شيء صعب للغاية  , ولكنه بالرغم من هذا لم ينحرف عن إسلوب الكاتب , ولم يقترب من تقاليد الجغرافيين . 

- وأخيرا .. يجب أن نذكر أن بخلاف ما صوره المؤلف  (مايكل آرتز) , في كتابه عن رحلة ابن فضلان إلى بلاد الفايكنج , والتي إستند عليها فيلم ( المحارب رقم 13 ) , أن ( أحمد بن فضلان ) قد طُرد من بغداد بسبب أنه قد تودد إلى أحدى النساء من حريم القصر , فإن في الحقيقة  ( ابن فضلان ) كان رجلاً مميزاً يفضله الخليفة بسبب مؤهلاته الدينية والدراسية والأدبية والعسكرية , ولم يكن أبداً سيء الخلق أو قليل الدين , مما جعله مرشحاً أساسياً لقيادة حملة سياسية ودينية عظيمة كهذه إلى بلاد الروس , مما جعله أفضل من وصف الروس وشعوبهم قديماً , وأصبح إسم ( أحمد بن فضلان ) واحداً من أهم أسماء الرحالة العرب قديماً وحديثاً . 

إقرأ أيضاً : 

عندما إلتقى المسلمون بالفايكنج

المصادر

sacredfootsteps

alrahalah

vikinganswerlady

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Bottom Ad

يمكنك الحصول على القالب من مدونة عالم المدون